لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته رفيقاً رحيماً،
وكان لذلك الأثر العظيم في دخول الناس في دين الله أفواجا،
فقد رأوا ولمسوا حرصه صلى الله عليه وسلم في هدايتهم
والسلوك بهم إلى صراط الله المستقيم.
ومن أصدق الصور في ذلك موقفه صلى الله عليه وسلم
في فتح مكة حينما دخلها منتصراً بنصر الله له، فظن
المشركون أنهم قد أحيط بهم وأن يومهم الذي ينتظرهم
بإبادتهم عن آخرهم قد حضر، وهم لا يشكون في استئصال شأفتهم،
وإبادة خضْرائهم، فما زاد على أن عفا وصفح، وقال:
{ما تقولون أني فاعلٌ بكم؟ قالوا: خيرًا، أخٌ كريم، وابن أخٌ كريم،
فقال صلى الله عليه وسلم: أقولُ كما قال أخي يوسف:
((قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ))
[يوسف:92]، اذهبوا فأنتم الطلقاء.
فهذا من صور عفوه صلى الله عليه وسلم العام.
أما عفوه صلى الله عليه وسلم عن الأفراد فلا تحصره الأمثلة،
ومن ذلك ما رواه البخاري عن عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمْ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ،
فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ
يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ
فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، قَالَ جَابِرٌ: فَنِمْنَا نَوْمَةً، ثُمَّ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّ
مَ يَدْعُونَا فَجِئْنَاهُ، فَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ جَالِسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ
مِنِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُ، فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ، ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.